محمد فتحي الشريف يكتب: قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-10)
ملخص الحلقة العاشرة
إنَّ الإشاعاتِ وفبركةَ الروايات تستهدفُ النيلَ من التزامِ الرسولِ بأوامرِ القرآن واتباع أوامر اللهِ، وهذه الرواياتُ تَمّ تزويرُها كجزءٍ من الحربِ النفسيةِ التي واجهَها الرسول في حياتِهِ واستمرتْ حتى اليوم يردّدها المسلمونَ دُونَ منطقٍ ودونَ تفكيرٍ حينَما رَهنوا عقولَهم وتفكيرَهم لتلكَ الإشاعات واستسلموا لَها حتّى أصبحتْ لديهْم مرجعًا رئيسيًّا للخطابِ الدّيني.. هكذا عقب الشرفاء الحمادي على حديث مباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته في الصيام.
التفاصيل
استكملنا في الحلقة التاسعة من حلقات القراءة التحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية التي أكتبها كل ثلاثاء في منصة مركز العرب للأبحاث والدراسات من خلال عرض أبرز ما جاء في كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، إذ تحدثنا عن الجزء الثاني في رواية مسند أحمد رقم (25112) ويقول فيه: حدّثنا يعقوب، قالَ حدّثنا عن أبي إسحاقَ، قال حدّثني عَبِدُ الله بُن أبي بكرٍ بنُ محمّدٍ بن عُمر بن حَزمُ عن عَمرةَ بنتِ عَبد الرّحمن عَنْ عائشةَ زوجِ النبيِ صلّى اللهُ عليهِ وسلم قالت (أُنزلتْ آيةُ الرَّجمِ ورضعاتِ الكبيرِ عَشرًا، فكانتْ في ورقةٍ تحت سرير في بيتي، فلمّا اشتكى رسولُ الله صلّى الله عليهِ وسلّم، تشاغلنا بأمرِه ودخلت دويبة لنا فأكلتها).
ووضحنا في تلك الحلقة الجزء الخاص برجم الزاني المحصن، وبينا أن هذا الكلام كاذب وفارغ ولا يليق، ولا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن رجم الزاني المحصن، إذ حددت آية الزنا الحكم الشامل في قول الله عز وجل في سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأخُذْكُم بِهِمَا رَأفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ). وتم توضيح ذلك، وأيضا تناولنا حجم المتناقضات في الأحاديث التي تحدثت عن رجم ماعز والمرأة الغامدية بتهمة الزنا، إذ تعددت الروايات المكذوبة، ووضحنا الاختلاف في ذلك وكيف لا ترتقي تلك الروايات إلى درجة الصدق، بل هي روايات مكذوبة كذبا مفضوحا.
غياب العقول عن شرع الله
ثم طرحنا تعقيب الكاتب العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، على جزئية الرجم قائلا: كيف للعاقلِ أن يصدّقَ فرية وتخريفا وأكذوبة صادمة للنطق إذا لم تصبْهُ لوثة في عَقْلِهِ، وكيفَ للمسلمِ أن يُؤمنَ بروايةٍ تَستَصغِر وعيه وتستخف بإدراكه، وكيفَ قَبِلَ المسلمونَ مُنذُ مئاتِ السنينَ، هذه الاستهانةَ بعقولِهِم، وكيف اعتمَدُوها في مَراجعِهم الفقهيّة، وكيفَ غابتْ عن عُقولِهم آيات الله، حيث يصفهم الله سبحانه بقوله (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ).
الروايات المكذوبة باب يجلب المصائب
اليوم نقدم حديثا جديدا وطرحا من الأطروحات التي تناولها كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، وكيف قدم مؤلف الكتاب تلك الروايات المكذوبة، وكيف عقب وعلق عليها، ليضع صانعي ومروجي تلك النصوص أمام الحقيقة الواضحة وهي كذبهم المفضوح، ومن تلك الأحاديث المكذوبة والمدسوسة على الإسلام، والتي تعد بابا مفتوحا يجلب المصائب على الدين ويشكك في رسالة الإسلام التي تدعو إلى خصال الخير وتمكن لهذا الدين في الأرض وهو الحديث التالي (حدّثنا سُليمانُ بن حَرْبٍ قال: عن شُعبَةَ عن الحَكمِ عن إبراهيمَ عن الأسود عَن عائشةَ رضَي اللهُ عنها قالت: كانَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُقِبّلُ ويباشرُ وهو صائمٌ وكان أملكَكُم لإربهِ).
الرسول أعف الناس
هذا الحديث الذي جاء في صحيح البخاري في الرقم (2971) الذي منح الفرصة للأقزام في الخوض في عرض الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أطهر وأنقى وأتقى من مشى على الأرض، وهو أعف الناس وأقربهم إلى الله وأخشاهم له.
الشرفاء: القرآن يكذب تلك الرواية
إلى ذلك يعلق مؤلف كتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) الأستاذ علي الشرفاء قائلا: إنَّ الصيامَ هو الامتناعُ الكاملُ عَن كلّ الشهواتِ من أكلٍ وشراب، والجماعِ مع النساء وكافة أنواع المتع التي تستهوي النفس، وقد بَلَّغنا الرسولُ محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم شروطَ الصيامِ، الّذي يستهدفُ تدريبَ الإنسان على السيطرةِ على النفس والتحكّم في أهوائِها والقدرةَ على امتناِعها عن المتعة والشَّهواتِ، وقد أكّدت الآيةُ الكَريمةُ بقَولهِ سُبحانَهُ وتَعالى “أحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابَتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمَ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبَيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة 187).
فرية وكذب على الرسول والسيدة عائشة
ويكمل الكاتب التعقيب قائلا: إنه بهذه الآيةِ قد سمحَ الله للناس بمُباشَرةِ الجماعِ في الليلِ وليسَ أثَناءَ الصّيام، حيثُ يُعتَبرُ الجماعُ قمةَ المتعةِ عِنْد الإنسان، والصّيامُ هوَ الامتناعُ الكاملُ عن كلّ الُمتع والشَّهوات، فكيفَ تم اختلاقُ هذه الِفريةِ عَلىَ رسولِ اللَهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم بأنْ يباشرَ زوجتَه عائشة وهو صائمٌ؟! وكيُفَ يمكن للعقل أنْ يتصوّر أنَّ حاملَ رسالةِ الهُدَىَ والإيمانِ يخالفَ اللهَ فيما أمرَ بهِ؟!
الإشاعات تهدف إلى النيل من التزام الرسول بأوامر القرآن
ويضيف: إنَّ الإشاعاتِ وفبركةَ الروايات تستهدفُ النيلَ من التزامِ الرسولِ بأوامرِ القرآن واتباع أوامر اللهِ، وهذه الرواياتُ تَمّ تزويرُها كجزءٍ من الحربِ النفسيةِ التي واجهَها الرسول في حياتِهِ واستمرتْ حتى اليوم يردّدها المسلمونَ دُونَ منطقٍ ودونَ تفكيرٍ حينَما رَهنوا عقولَهم وتفكيرَهم لتلكَ الإشاعات واستسلموا لَها حتّى أصبحتْ لديهْم مرجعًا رئيسيًّا للخطابِ الدّيني ولم ينتبهوا للخطاب الإلهي الذي فيه القولُ الفَصْل كَما جاَء في الآيةِ الكريمةِ أعلاُه. فليتقِ اللهَ كلُّ مَن تصدّى للخطابِ الدينيِ والدعوةِ لدينِ الحق بألا يعتمدَ على مصادرِ الرُّواةِ واتباع إشاعاتهِا، إنّما يرجع لكتابِ اللهِ الكريمِ ليكونَ معيارًا وميزانًا لكلِّ قولٍ من أيّ مصدرٍ ولكلِ روايةٍ مهما كان قائلُها ومهما بلَغَ علمهُ، فقْولُ اللهِ في كتابهِ الكريم يعلو فوقَ كلِّ قولْ.
خطاب ديني متطرف عفن يحتاج لمحو وإزالة
وفي النهاية أقول: إن تلك الرواية المكذوبة تعد أحد معاول هدم الدين من خلال خطاب مغلوط باطل يمنح المتربصين بالدين من النيل منه، وأؤكد أن هناك عددا كبيرا من الشبهات التي نالت من الدين كانت بسبب الكم الهائل من الروايات المكذوبة والتي للأسف الشديد يدافع عنها شيوخ الدين دون وعي وعقل، ويحاولون خلق مبررات، مدعين أنهم وحدهم هم من يفقهون ويفهمون، على الرغم من مخالفة تلك الروايات والنصوص للقرآن الكريم الكتاب البليغ الذي لا يعتريه الباطل، والذي عالج كل الأمور ولم يترك كبيرة ولا صغيرة في الحياة، فالقرآن خطاب الإحياء الصالح لكل مكان وزمان، والتراث الديني هو من منح الفرصة للنيل من هذا الدين بعد أن دخلت الأهواء والشهوات والسياسة في الدين وخلقت خطابا دينيا متطرفا عفنا يحتاج لمحو وإزالة.