أهم الأخباررسائل الشرفاء الحمادي

محمد فتحي الشريف يكتب: قراءة تحليلية في أفكار الشرفاء الحمادي التنويرية (1-14)

 

 

ملخص الحلقة الرابعة عشر

أكد الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم هي تبليغ الناس كلام الله، وهو (القرآن الكريم) بالحسنى، فالغاية هي التبليغ. وقبول الدعوة والدخول في الإسلام متروكان لحرية الناس، والإسلام لم يُفرض بالسيف أو بالقوة كما تزعم الروايات الباطلة التي تفتري على الله ورسوله، وعلى المسلم عرض الرسالة وترك حرية القبول أو الرفض للناس، فرسالة الإسلام مجملها قيم نبيلة وتعاليم سمحة تحاكي الإنسانية، وكل من يعتدي على مقدرات الشعوب باسم الإسلام فهو مجرم مخالف لقول الله عز وجل ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

التفاصيل

هنا يثير الأستاذ علي الشرفاء قضية جديدة في غاية الأهمية، وهي قضية تبليغ دعوة الإسلام، إذ انتشرت روايات وأباطيل تنال من سماحة الدين وتلصق به التهم الباطلة، ومنها انتشار الإسلام بالقوة والسيف، وهو مخالف كليا وجزئيا لما جاء في كتاب الله عز وجل، لأن الدين انتشر بالقبول والرضا لدى الناس، لأنه يشمل مجمل مكارم الأخلاق، وفيه كل الرحمة والإنسانية، والعدل والمساواة بين الناس.

التبليغ ومنح حرية القبول

ويضيف الكاتب في كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي) قائلا: إن الله سبحانه وتعالى أعطى الأمان حتى للمشرك، لأنه تعالى منحه الحرية في الإيمان به أو الشرك، وله حرية الاختيار، وعلى المسلم أن يعرض رسالة الإسلام التي جاءت في آيات القرآن الحكيم على الناس، بما فيها من القيم النبيلة والتعاليم الإسلامية الراقية التي تنهض بالإنسان وأخلاقياته، مبينا أنّ المجرمينَ الَّذِين يعتدونَ على النّاسِ ويستبيحونَ أرضَهم وينهبون ثرواتِهم ويقتلونَ الأبرياءَ باسمِ الإسلام، هو منهم بريء، وسيكون جزاؤهم جهنمَ وبئسَ المصيرِ.

تشريعات القتال

ويؤكد الشرفاء الحمادي، أن الخطابَ الإلهي شَمَلَ تشريعاتٍ عِدّة، ومِنها تشريعٌ فيما يتعلقُ بالِقتالِ في سبيلِ اللهِ، فقد وضع الله تشريعًا وقاعدة تحدد متى يكون القتال بين الناس بقوله سُبحانَهُ وتعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190).

الدفاع حق مشروع والاعتداء إجرام

ويضيف قائلا: الحقُّ المشروعُ لكلِّ الناسِ هو الدفاع عن النفس والممتلكات وعن الأسرة والأعراض والأوطان وضد التعدّي على حقوق الناس بكل السبل والوسائل التي تردّ الاعتداء أو تعيد الحقوق لأصحابها، وهذا التشريع ليس موجهًا لقوم غير قومٍ أو لأصحابِ ديانةٍ دون أخرى، إنّما هو تشريع إلهّي عامٌّ للناس جميعًا.

قتال المعتدين فقط

ويشير الكاتب إلى أن الآية الكريمة حدّدتْ بكلِّ وضوحٍ مُقاتلةَ المعتدينَ، والّذينَ جَاءوا للقتالِ أو الاعتداء على أناس مسالمين، ولذا فإنّ كلَّ آيات القتالِ التي جاءتْ في القرآن الكريمِ، والتي تَحُثُّ على القتالِ منضبطة وفق التشريع الإلهي الذي تضمنته الآية المذكورة أعلاه، وما عدا ذلك من آيات متعددة ذُكر فيها القتالُ وكيفية القتال في مواجهة المعتدين إنّما هي تعليمات إلهية تنظم طرقَ القتالِ، وكلّها تندرجُ تحتَ حُكم القاعدةِ الأساسيّةِ في الآيةِ المذكورةِ أعلاهُ.

الكاتب يحدد حالات القتال

ويوضح الكاتب الحالات المحددة التي يفرض فيها القتال لمواجهة المعتدين في عدد من الحالات يجب ألا يتجاوزها المسلم، مدللا بعدد من آيات القرآن الكريم وهي:

أولًا: في حالةِ نقضِ عهودِ السلامِ بينَ الطرفينْ، واستعداد أحدهما للهجوم المباغت على الطرف المزمع الاعتداء عليه.

ثانيًا: في حالةِ الاعتداء المباشرِ على الآمنين في القرى والمدن ومواجهة العدوان بكل القدرات المتاحة.

ثالثًا: في حالةِ التجهيزِ والإعداد لتدريب الجيوش وتسليحها لصد الهجمات من قِبلِ الأعداءِ الذين جاءوا لقِتالِ الـمسلمينَ.

رابعًا: الاعتداء والغاراتُ المستمرةُ على الآمنين واستباحة أراضيِهم ونَهْبِ ثَرَواتِهم وسبْي نِسائِهم واستباحة حرماتهم.

الإسلام دين عدل وسماحة

ويبرهن الكاتب بالدليل القاطع على أن الحالات السابقة تتفقُ تَمامًا مَع الآية المذكورةِ في مقدمة الحديث، وبالرّغمِ من أن الله أعطى للناس حق الدفاع عن النفس والأوطان.

ويشير الكاتب إلى أن الإسلام دين سماحة وعدل ورحمة وسلام، لذلك شجع على الصلح ووقف الحرب وتضميد الجراح وتحقيق السلام وفق قواعد الخطاب الإلهي السمح من خلال آيات القرآن الكريم التالية:

الجنوح للسلم

﴿وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ (الأنفال 61). وذلك ممّا يؤكّدُ مرادَ اللهِ في الآيات المذكورةِ أعلاه، بشأنِ الدفاعِ عَنِ النّفسِ وعَدمِ الاعتداء على الغيـرِ وتُؤسّس لِتِلكَ القاعدةِ الآيات التّاليةُ:

دعوة الناس لعدم الاقتتال فيما بينهم ليعيشوا جميعا في أمن وسلام كما يلي:

  1. قوله تعالى ﴿وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلّا بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظلومًا فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطانَا فَلا يُسرِف فِي القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصورًا﴾ (الإسراء 33).
  2. قوله تعالى ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمَ وَلَا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكَمْ رَحِيمًا﴾ (النساء 29)
  3. وقوله تعالى ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسرائيل أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفَسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾ (المائدة 32).

عدم التفريق في تشريع الله

هنا يؤكد الكاتب على أمر مهم للغاية في تبليغ الدعوة بالحسنى بعيدا عن الحروب والاقتتال قائلا: إذا كانَ السابقونَ وفقَ قدراتِهم المعرفّيةِ، فاتَهم التدقيقُ والتمحيصُ في مرادِ اللهِ فلم يُفرقوا في تشريع اللهِ ومرادهِ بأنّه سُبحانَهُ وضَعَ قواعدَ تشريعيةً تحكمُ تصرفاتِ الناس على أسسٍ من العَدالةِ والرحمة وتقليل الخسائر في الأرواح، وعندما عجزوا عن استجلاءِ تلك المقاصدِ اعتبروا الآيات التي توضح أثناء الحرب طرق القتال وفن التلاحم في الحروب إنما هي دعوة للقتال وأنها نَسختِ القاعدةَ الرئيسيةَ التي وُضعتْ في حقِّ الدفاعِ عن النفسِ والتي جاءت في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190).

مقاصد الآيات هي الرحمة

ويضيف الكاتب قائلا: لم يستطيعوا إدراك مقاصد الآيات رحمة بعباده حين تصوروا أن قتال الأبرياء يرضي الله عنهم، ويدخلهم الجنة، فكر مريض ونفوس اختلط فيها الحقد والكراهية والسعار واتبعوا تفاسير وروايات في خدمة الإجرام وإزهاق النفوس البريئة، افتروا على الله ورسوله، يصفهم الله سبحان بقوله ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ (يونس 69).

آيات القتال هي تشريع للدفاع عن النفس

ويكمل الشرفاء الحمادي قائلا: إن كل ما وَردَ في القرآن الكريمِ من آيات القتالِ، فهي بين تشريع للدفاع عن النفس وبين طرق القتال وكيفية مواجهة الأعداء وما يتطلبه من الإعداد الجيد من تدريب وتسليح، لردع العدوان والدفاع عن الوطن والنفس والأعراض وعدم الاعتداء، كما جاء في التشريع الإلهي فيما سبق، وأصبحت قواعد الحكم عامة يتبعها الناس، علمًا بأنَّ الآية المذكورةَ تضمنّتْ أمرَ اللهِ بعدمِ الاعتداء على الإطلاقِ على الناس.

شروط القتال ومبرراته

إلى هنا يوضح الكاتب أن الآية السابقة قد وضعت شروط القتال ومبرراته، وقد جاءت بعدها في سور عدة آيات متعدّدة تتحدّث عن القتالِ، تشرحُ فيها طرقًا للقتال أثناءَ المعاركِ الدفاعية، وأيضًا يتعلمُ منها المسلمون إدارةَ القتالِ وأساليبَهُ أثناءَ المعارك، وليست أوامر للمسلمين بقتل من لا يؤمن بدينهم على الإطلاق، وقد نهى الله سبحانه وهو يخاطب رسوله عليه الصلاة والسلام بقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس 99).

إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا

ويستشهد الكاتب بعدد كبير من الآيات الواضحة التي تؤكد حرية الاختيار، وأن الرسول مبلغ عن ربه، والهداية من عند الله من خلال تلك الآيات ﴿وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ نارًا أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها وَإِن يَستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كَالمهُلِ يَشوِي الوُجوهَ بِئسَ الشَّرابُ وَساءَت مُرتَفَقًا﴾ (الكهف 29)، وكلتا الآيتين تقرران أن الله سبحانه منح الحرية المطلقة للناس حقًّا كفله الله للناس في اختيار العقيدة التي يتعبدون بها دون إكراه أو فرض.

الجنوح للسلم

إضافة إلى ذلك فالله يأمرنا في حالة الانتصار على المعتدي بالاستجابة لطلبهم الجنوح للسلام بقوله سبحانه: ﴿وَإِن جَنَحوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَها وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ (الأنفال 61). فيجب على المنتصر قبول السَّلام رحمةً بالناس لتقليل الخسائر وحقنًا للدماء، كما أنّهُ سبحانه وضع تشريعًا للأسرى وكيفية التعامل معهم فإمّا مَنًّا وإمّا فِداءً كما جاء في قوله سبحانه: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ (محمد 4).

حقوق الإنسان

هنا يقول الكاتب إن الله أعطى مَن لديه أسرى حرية الاختيار بين أن يطلق سراح الأسير تكرمًا، وإما أن يتم أخذ الفدية من قومه في سبيل إطلاقه وإعطائه حريته دون أن يمسه الأذى أو التعذيب، مراعاة لحقوقه الإنسانية التي وضع الله تشريعاتها للناس جميعا.

سموم الكراهية والقسوة

ويكمل الأستاذ علي الشرفاء قائلا: تلك القواعد الإنسانية رحمة بالناس أَمَرَ الله الناس باتباعها، ولكنهم للأسف اتخذوا الروايات التي تنفث سموم خطاب الكراهية والقسوة وقد وصفهم الله سبحانه بقوله: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ (البقرة 10).

الله لا يريد القتل لعبادة

ويشير الكاتب إلى أن الله سبحانه لا يريد لعباده القتل، بسبب العقيدة والعبادة، فهو سبحانه القاضي وحده على الناس في أمور العقائد، وأعطاهم الحَق للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأراضيهم وأموالهم، فلا حروب دينية ولا عدوان إلا على المعتدين الظالمين كما قال تعالى لرسوله: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية 22)، وقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ) الأنعام (107)، وقوله تعالى ﴿مَنِ اهتَدى فَإِنَّما يَهتَدي لِنَفسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيها﴾ (الإسراء15).. ليظل حق الإنسان مقدسًا في اختيار عقيدته وطريق عبادته، فلا وصي عليه من البشر رسولا كان أم نبيا أو أيا من خلقه، حسابه مع ربه تأكيدا لقوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد 40).

الآيات تنسف الروايات

ويكمل الكاتب الحديث قائلا: بهذه الآية ينسف الله سبحانه كافة الروايات التي نقلت افتراء على الرسول بأن الله أمره بفرض دخول الناس في الإسلام بالسيف أو بالإكراه افتراء كاذبا على المنهج الإلهي، يؤكد سبحانه في الآية المذكورة أعلاه أن مهمة الرسول تبليغ الناس بالقرآن وبالمنهج الإسلامي، أما فيما يتعلق بحسابهم فسيكون فقط عند الله الرحمن الرحيم الذي يدعو عباده بأنه قريب يجيب دعوتهم لما يصلح حالهم في كل زمان ومكان.

مناخ الاقتتال

ويوضح الأستاذ علي الشرفاء مقاصد الإسلام الحقيقية في الدعوة حيث قال: إنّ عدمَ الاعتداء يتضمنُ الامتناعَ عن كلِّ الوسائلِ العدوانيّةِ، التي من شأنها استفزازُ الطرفِ الآخر أو الإضرارِ بمصالحِهِ أو الاستيلاء على أرضه أو التهجّمِ عليهِ بمختلف الوسائل أو نشر الإشاعات لإثارة الفتنة داخل المجتمع الواحد لتهديد الأمن والاستقرار، فكلُّ تلكَ الحالاتِ تؤسسُ مناخًا للاقتتالِ وما تحدثهُ الحروبُ من أضرارٍ وكوارثَ تسيلُ فيها دماء الأبرياءِ والأطفالِ والكهولِ، وما يتم حرقهُ من بشرٍ وماشيةٍ وشجرٍ. ذلكَ يتعارض مع ما يريدهُ اللهُ لخلقهِ من حياةٍ آمنةٍ مستقرةٍ يتبادلُ فيها الناسُ المنافعَ ويعيشون حياةً كريمةً في رخاء وسلام.

هؤلاء هم الشهداء

لقد تحدث الكاتب عن الشهداء، إذ قال: هؤلاءِ الّذين يقاتلون في سبيلِ اللهِ دفاعًا عن أوطانهم، وعنْ أعراضِهم وأموالِهم، هم وحَدَهُم الَّذِين اختصّهم اللهُ بتكريمهم ويحتَسبُهم عندَهُ شهداء تأكيدًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمْوَاتًا بَلْ أحْيَاءٌ عِندَ رِبهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران 169-170).

القتال مقتصر على المعتدين

ويكمل الكاتب حديثة الثري بالبراهين من كتاب الله عز وجل ويقول: كلّ آيات القتالِ التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريمِ، لم تكن تعني الأمر بقتل الناس ظلمًا وعدوانًا، ولكنها تعتبر تعليماتٍ قتاليةً دفاعية في مواجهة الأعداء، في حالة الاعتداء على المسالمين وأسلوبًا في طريقة التعامل وقت القتال، فالله سبحانه وضع قاعدة القتال في سبيل الله بقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمعْتَدِينَ﴾ (البقرة 190).

الالتزام بأمر الله

ويضيف الكاتب: من يرد أن يقاتلَ في سبيل الله ويلتزم بما عاهد الله عليه بالتقيد بمنهـج الله سبحانه وتشريعه فعليه الالتزامُ بأمرِ اللهِ في القتال في سبيله كما ذكرتها الآية أعلاه في حالة الدفاع فقط وتأكيدًا لتلك التعليمات قالَ تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة 8-9).

المنهج الإلهي

ويوضح الأستاذ علي حقيقة كل الأمور السابقة بقوله: هذه الآية تضع قاعد تشريعية للمنهج الإلهي بعدم قتال الذين لم يبدأوا بالقتال، ويحمل المسلمين مسئولية رعايتهم بالبر ومعاملتهم بالحسنى والمحافظة على أمنهم وسلامتهم، وحينما نرى بعض المسلمين الذين اتبعوا أولياء الشيطان ورواياتهم المسمومة يقتلون الأبرياء من الإخوة الأقباط في جمهورية مصر العربية الآمنين من أطفال ونساء وكهول فبأي دين أولئك يؤمنون ويخالفون آيات الله ويعتدون ويقتلون ويسفكون الدماء فبأي حق يفعلون ومن عينهم نيابة عن الله يقضون على الناس ويحكمون؟

قاعدة العدل

ويضيف الأستاذ علي الشرفاء قائلا: لقد وضع الله للناس قاعدة للعدل وحدّد لهم دواعي القتال، أساسها الدفاع عن الأوطان وحماية الحقوق وردع الظالمين، ومن يتوان عن الدفاع عن دياره وحقوقه ويستسلم للمعتدين خوفًا أو ممالأة أو التعاون معهم بعدما اعتدوا عليه وأخرجوه من دياره ظلمًا وعدوانًا ولم يقاومهم ويردّ عدوانهم يصبح هو من الظالمين، لأنه عصى أمر الله وما جاء في الآية المذكورة أعلاه.

الله رحيم بعباده

ويكمل الكاتب قائلا: إن الله سبحانَه رحيمٌ بعباده، يريد لهم الخير والسلامة وتقليل الخسائر بيـن الطرفيـن، حينما وضع قاعدة السلام في الآية السابقة، كما أنّ الله سبحانه وضع قواعدَ للأسرى وكيفية التعامل معهم على أرقى القيم الإنسانية وكيفيّة معاملةِ الأسرى بأن يتم إطلاق سراحهم بالفدية أو دون مقابل عند انتهاء الحرب، وهذه القاعدة تفوق وتسبق معاهدة جنيف الدولية بشأن أسرى الحروب.

ويبيّن لنا الخطابُ الإلهي في القرآن الكريم قاعدة أخرى تعزّز قيم الإسلام واحترام حقوق الإنسان والتعامل معه برفق في حال طلب المساعدة بقوله تعالى: ﴿وَإِن أحَدٌ مِنَ المشُرِكينَ استجارَكَ فَأجِرهُ حَتّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبلِغهُ مَأمَنَهُ ذلِكَ بِأنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾ (التوبة 6).

الإسلام وحرية الاختيار

إلى ذلك يؤكد الأستاذ علي الشرفاء، على أن الله منح المشرك الحرية في الإيمان به وإذا استجار بالمسلم فعلى المسلم أن يحميه ويؤمنه ليصل إلى المكان الذي يتحقق له فيه أمنه، وأن يعرض عليه رسالة الإسلام التي جاءت في آيات القرآن الحكيم تلك القيم النبيلة والتعاليم الإسلامية ترتقي بالإنسان وأخلاقياته.

هؤلاء جزاؤهم جهنم وبئسَ المصيرِ

ويضيف الكاتب قائلا: إنّ المجرمينَ الَّذِين يعتدونَ على النّاسِ ويستبيحونَ أرضَهم وينهبون ثرواتِهم ويقتلونَ الأبرياءَ باسمِ الإسلام، والإسلام بريءٌ منهم سيكون جزاؤهم جهنمَ وبئسَ المصيرِ عملًا بقوله تعالى: ﴿الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا أولـئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رِبّهِم وَلِقائِهِ فَحَبِطَت أعمالُهُم فَلا نُقيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزنًا ذلِكَ جَزاؤُهُم جَهَنَّمُ بِما كَفَروا وَاتَّخَذوا آياتي وَرُسُلي هُزُوًا﴾ (الكهف 104-106).

الافتراء على الرسول

ويؤكد الكاتب على الطرح السابق قائلا: إنَّ وعد الله حق، فذلك ما ينتظر الفرق الإجرامية حين ارتكبت جريمتين شنيعتين، إحداهما الافتراء على الله ورسوله بروايات كاذبة لتشويه الإسلام وتوظيفه في خدمة مآربهم الإجرامية وعقابهم عند الله عظيم، وكانوا مستهدفين إبعاد القرآن عن الناس لكيلا يكون المنهج الذي يجب أن يتبع لما فيه خير الناس وما يحققه من أمن واستقرار يدفع المجتمعات الإنسانية وخاصة العربية للتنمية والتطور ويعيش الناس جميعا في أمن وسلام.

قتل الأبرياء

والجريمة الثانية قتل النفس البريئة التي حرم الله، واستباحتهم أموال الناس وأكل أموالهم بالباطل، فقد حذرهم الله بقوله سبحانه مخاطبا رسوله الكريم: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئـًا وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُواْ أَوْلَدَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام 151).

الفساد في الأرض

ويختتم الكاتب قائلا: قد حذر الله سبحانه الذين يسعون في الأرض الفساد بعذاب عظيم في الدنيا والآخرة بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة 33).

تهم باطلة

في النهاية أقول إن الأستاذ علي الشرفاء أثار قضية غاية في الأهمية من خلال كتابه (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، وهي كيف نال الخطاب الديني المتطرف والروايات الباطلة من سماحة الإسلام وألصق به تهما باطلة، منها أنه انتشر بالسيف، وهذا يخالف الخطاب الإلهي الواضح الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو خطاب الرحمة والعدل.

انحراف وتطرف

فتجديد الخطاب الديني ومعالجة الأفكار المنحرفة التي يكتظ بها الخطاب الديني والتي تسببت في قتال وفرقة وتطرف وعنف تحتاج إلى وعي مجتمعي ومجهود كبير من المفكرين والباحثين بعيدا عن طرح شيوخ الفتن والتطرف الذين يبحثون عن مصالحهم على حساب الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى