الشرفاء الحمادي: عندما تتحول العبادات إلى عادات تخرج عن المقصد والهدف.. رؤية جديدة
الكاتب باحث ومفكر، مهتم بالشأن العام العربي والإسلامي وله العديد من المؤلفات والأبحاث المرموقة
الملخص
يقول المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، إن تحوُّل العبادات إلى عادات خطر كبير وقعت فيه الأمة الإسلامية، إذ يظهر هذا التحول بشكل جليٍّ عندما تفعل الشيء دون إدراك الهدف من هذا الفعل، لذلك عندما تتحول العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج إلى عادات تخرج عن المقصد والهدف الذي أراده الله -عز وجل- في المنهج الإلهي وهو التقرب إلى الله تعالى، وهذا الأمر يتضح في الحج والأضحية، فالله -عز وجل- (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، والحج يفرض على المسلم الذي يملك الاستطاعة، والأضحية أيضًا تسنُّ في حالة الاستطاعة، فإلى التفاصيل.
التفاصيل
المقصد من العبادة
إن تحويل العبادة إلى عادة خطر وقعت فيه الأمة الإسلامية، وهذا الأمر يظهر جليًّا عندما تفعل الشيء دون إدراك ومعرفة الهدف منه، فعندما تتحول العبادات من صلاة وزكاة وصوم وحج إلى عادات تخرج عن المقصد والهدف الذي أراده الله -عز وجل- في المنهج الإلهي، وهو التقرب إلى الله تعالى.
الجدل في تأدية الفريضة
لقد أصبحنا غير مدركين بحقوق الله -عز وجل- علينا، ومراده من تلك الحقوق، ولماذا شرعت الحقوق؟ هذا الأمر ينطبق تمامًا على حالة الجدل التي تحدث قبيل تأدية الفريضة الوقتية مثل صيام شهر رمضان وحج البيت، وعلى الرغم من أن الله -عز وجل- وضَّح كل شيء في كتابه العزيز بشكل لا يقبل اللبس فإن هناك من يحاول أن يشق على الناس.
شروط بعض الفرائض
فعندما يحاول البعض تحويل الفرائض المشروطة والسنن إلى واجبات ويشقون بذلك على الناس مع أن الله -عز وجل- قال في كتابه العزيز “لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، وبذلك، الحج يفرض في حالة الاستطاعة، والأضحية تسنُّ في حالة الاستطاعة.
الفتاوى المغلوطة
إن الفتاوى المغلوطة المتشددة تخالف أمر الله -عز وجل-، فعندما تظهر فتاوى تتحدث عن أنه يجوز أن يضحي المسلم بدجاجة إذا كان لا يملك غير ذلك، نقول لهم إن منهج الله -عز وجل- كله رحمة ولا يكلف أحدًا فوق استطاعته في أي أمر.
عدم وجوب الأضحية
فإذا كان المسلم لا يملك حق الأضحية فهي ليست واجبة أو مفروضة أو حتى سنة عليه، لأن الله -عز وجل- قال في كتابه العزيز: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” (سورة البقرة الآية 286).
وقال تعالى “لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” (سورة الطلاق الآية 7).
الإسلام رحمة
فالله لا يُطالب عباده ولا يُحمِّلهم ما لا يقدرون عليه، تحت أي مسمى، إنما الإسلام الصحيح كله رحمة وتخفيف وخير، وإن التنطع وإصدار الفتاوى المخالفة لمنهج الله -عز وجل- أحد الأمور التي تهدم الدين، فالله أرحم منا جميعًا.
الاستقامة والاستطاعة
وهناك فرق بين الاستقامة على مراد الله إلزامًا من الله لنا، وبين الطاعة وفقًا لقدرتنا امتثالًا لأمر الله لنا، فالاستطاعة هي إمكان الفعل والقدرة على تنفيذه، وهذا الأمر ينطبق على الأضحية، فإذا كنت قادرًا على ذلك وتفعله تثاب عليه، وإن لم تستطع، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
ولذلك تبقى الاستطاعة شرطًا أساسيًّا في العبادات مثل الحج والزكاة، وباقي العبادات، فالله -عز وجل- لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
الزكاة والتكافل
فالزكاة في الخطاب الإلهي هدف محوري وهام، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أجلِّ صوره.. وكان تعبير الخطاب الإلهي في ذلك بعبارة الإنفاق في سبيل الله.. وهذا الإنفاق هو نوع من الجهاد.
مرضاة الله
وعليه يُعدُّ سعي الأمة إلى التكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته، وفي ذلك يقول الله تعالى في محكم آياته: “مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 261).
وتتصدر هنا الزكاة كافة مسارات الإنفاق، وتجسد أعلى صور التكافل الاجتماعي. وبها يعمر المجتمع ويزدهر.
الدلالات العظيمة
إن مقاصد الخطاب الإلهي في شأن الزكاة تحمل من الدلالات العظيمة ما يعجز عن إدراكه الكثير ممن تسمَّوا بعلماء وفقهاء.
فالزكاة في التشريع الإلهي تحمل بين طياتها سرًّا من أسرار هذا الدين القيم، حين تكون الزكاة عاملًا مهمًّا، وأداة محورية في الحفاظ على وحدة الأمة وسلامة مجتمعاتها.
تزكية النفس
وقد سُمِّيت الزكاة بهذا الاسم، لأنها تزكِّي النفس البشرية وتطهرها، وتجعلها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر، بفعلها يصلح المجتمع ويأتلف، ويغدو متماسكًا، قويًا كالبنيان المرصوص.
الزكاة فرض
ومن هنا، جعلت الزكاة ركنًا وفرضًا، حالها حال الصلاة والصيام وحج بيت الله الحرام، مصداقًا لقوله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة 110).
كما فرض الله سبحانه على المسلمين إقامة الصلاة تأكيدًا لأمره سبحانه لرسوله عليه السلام “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” (العنكبوت: 45).
الصلاة والقبول
إذًا إقامة الصلاة يشترط فيها للقبول عند الله تطبيق الالتزام بالشرط الذي ذكرته الآية في قول الله سبحانه: “إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”، وإذا لم يتحقق الشرط ولم يتم الالتزام به تصبح الصلاة مجرد ركعات للصلوات الخمس في كل يوم، وإذا لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فكأنما ذهبت صلاة الإنسان هباءً منثورًا.
الصلاة والوقوف بين يدي الله
ولذلك يريد الله من المسلم عندما يقرر أداء الصلاة في أي وقت حان لأدائها، عليه أن يعدَّ نفسه ويحضِّر جوارحه ويستشعر عظمة الله في بداية صلاته بأنه واقف بين يدي الله، ليجدد عهده مع الله خمس مرات في كل يوم، أنه يشهِد الله على نفسه باتباع كتاب الله وطاعته في كل ما حرمه الله وما نهى عنه، وأن يطبق شريعة الله في تحصين نفسه من ارتكاب كافة المعاصي والذنوب التي حرّمها الله على عباده، وتطبيق المنهاج الرباني في أخلاقياته والمعاملة مع أهله وأقربائه ومع قومه ومع الناس جميعًا بالحسنى والكلمة الطيبة، وعدم الإساءة لأي إنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه وهويته، مؤديًا كافة التزاماته لكل الفروض التي شرعها الله للمسلمين من الإيمان بوحدانية الله سبحانه لا شريك له، والإيمان بكتاب الله وآياته في قرآنه، والتسليم لرسول الله محمد عليه السلام في كل ما بلَّغه عن ربه من آيات القرآن الكريم، وما تلاه على المسلمين من آيات الذكر الحكيم، وما بشر به المؤمنين في الدنيا من تحصينهم من حياة الشقاء ومن الضلال من الشيطان الرجيم وأعوانه، ليعي المسلم إذا اتبع كتاب الله فسيحيا حياة كريمة مطمئنة وعيشًا كريمًا، ويبشر المتقين بالفوز بالجنة في الآخرة وحياة النعيم، وينذر الذين كفروا بآيات الله واتبعوا الشيطان الرجيم بأنه سيقودهم في حياتهم إلى الشقاء والضنك وعيش البائسين، ويسوقهم بجهلهم وكبريائهم إلى نار الجحيم.