رسائل الشرفاء الحمادي

التدبر يؤهلنا لطاعة الله عن فهم ويقين والأفكار تواجه بالحوار.. رؤية جديدة للشرفاء الحمادي

الملخص
في أطروحة اليوم، يتحدث المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، عن التدبر الذي يعد لب الإسلام وأمّ الفرائض كلها، ففي التدبر اليقين والفهم، والبعد عن الاستعلاء وحجب البصيرة الذي يشكل أحد معاول هدم الدين، ثم يواصل الشرفاء حديثه عن أبرز الصفات التي تعد جوهر الإيمان الحقيقي، ويجب على المسلم أن يتحلى بها، وهي صفات جاءت في القرآن الكريم، ذكر منها الشرفاء الحمادي في أطروحة اليوم سبعة عشر موضوعًا على سبيل المثال لا الحصر، بدأها بالرحمة والتواضع، وضمت في طياتها الإنفاق وكظم الغيط والعفو والشورى والتكافل والعدل وشهادة الحق والتسامح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون والاعتصام والالتزام بالقيم والصفح الجميل واجتناب الغيبة والتجسس والقول الحسن مع الناس ودفع السيئة بالحسنة والاعتدال في القول، والأخوة وعدم اللمز والهمز والتنابز بالألقاب، وآخرها الكلمة الطيبة والتواضع.
ثم اختتم الشرفاء مقاله بالحديث عن مواجهة الآراء الفكرية والاجتهاد بالمناقشة والحوار بعيدًا عن التكفير والنيل من المتدبرين والباحثين، وهذا يذكرنا بنهج محاكم التفتيش في الكنيسة الكاثوليكية بالعصور الوسطى.. تفاصيل المقال في السياق التالي..
 
التفاصيل
فريضة التدبر
يقول الشرفاء الحمادي: “في الوقت الذي يدعو الله فيه الناس إلى التفكر في كونه وآياته وتشريعاته ومنهجه، نرى البعض ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين، يمنعون الناس من أداء فريضة التفكير والتدبر، التي تعدّ من أعظم الفرائض، بل قد تكون أمّ الفرائض كلها”.
 
اليقين والفهم
ويواصل الشرفاء حديثه ويقول: “بالتدبر يصل الإنسان إلى قناعة عقلية وإيمانية تؤهله لطاعة الله عن يقين وفهم، وتعينه على إدراك مقاصد الشريعة، وفهم حكمة الخطاب الإلهي الموجه للبشر، من أجل حياة طيبة، قائمة على العدل والأمن، والتعاون على البر، والابتعاد عن الطمع والعدوان والكراهية والاستعلاء”.
 
الاستعلاء وحجب البصيرة
وحول الانحراف عن المنهج العقلي، يقول الشرفاء الحمادي: “إذا انحرف الإنسان عن هذا المنهج، واستعلى على الناس، فقد حُجِبَت بصيرته، ووقع في الظلمات، وخالف صفات المؤمن التي ذكرها الله في كتابه الكريم، ومن أبرز هذه الصفات التي تعد جوهر الإيمان وسلوكًا للمسلم في اتباع القرآن الكريم، ولقد جاءت هذه الصفات بكتاب الله عز وجل في مواضع عديدة، أذكر منها على سبيل المثال سبعة عشر موضعًا؛ هي:
أولًا: الرحمة والتواضع؛ قال الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) سورة الفرقان الآية (٦٣).
ثانيًا: الإنفاق وكظم الغيظ والعفو؛ قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة آل عمران الآية (١٣٤).
ثالثا: الشورى والتكافل؛ قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) سورة الشورى الآية (٣٨).
رابعًا: العدل والشهادة للحق؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) سورة النساء الآية (١٣٥).
 خامسًا: العفو والإحسان؛ قال الله تعالى: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) سورة النساء الآية (149).
سادسًا: الالتزام بالقيم؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل الآية (٩٠).. (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) سورة المؤمنون (٣).
سابعًا: الصفح الجميل؛ قال تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) سورة الحجر الآية (٨٥).
ثامنًا: اجتناب الظن والغيبة والتجسس؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) سورة الحجرات الآية (١٢) .
تاسعًا: القول الحسن مع الناس؛ قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) سورة البقرة الآية (٨٣).
عاشرًا: التعاون على البر والتقوى؛ قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة (٢).
حادي عشر: دفع السيئة بالحسنة؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت الآية (٣٤).
ثاني عشر: الاعتدال بين الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) سورة القصص الآية (٧٧).
ثالث عشر: عدم اتخاذ الحلف بالله مانعًا للخير؛ قال الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة الآية (٢٢٤).
 رابع عشر: الأخوة بين المؤمنين؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الحجرات الآية (١٠).
خامس عشر: النهي عن السخرية واللمز، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الحجرات الآية (١١).
 سادس عشر: الكلمة الطيبة تدفع العداوة؛ قال الله تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) سورة الإسراء الآية (٥٣).
سابع عشر: التواضع في التعامل مع الناس؛ قال الله تعالى: (ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) سورة لقمان الآية (١٨).
 
جوهر الإسلام وسلوك المسلم
الصفات الـ(17) السابقة تمثل جوهر الإيمان وسلوك المسلم الحقيقي الذي يتبع منهاج الله في القرآن الكريم، ومن هنا، ينبغي لكل شيخ دين، وعالم، ومفكر، وقاضٍ، ومسؤول مسلم، أن يسأل نفسه: هل تتجلى هذه الصفات في سلوكه اليومي، وفي علاقاته وتعاملاته؟ إن من يدّعي تمثيل الإسلام، ولا يتحلى بهذه الصفات، فعليه أن يراجع إيمانه، لأن الله قد أنذرنا في كتابه بقوله تعالى: (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) سورة الزمر الآية (71).
 
رأي وتدبر
وعن الأسباب والدوافع التي جعلت المفكر العربي الشرفاء الحمادي يسرد كل تلك الصفات التي تعد جوهر الإسلام الصحيح والسلوك، والتي ينبغي أن يكون عليها المسلم الحق، هو ما شاهدته من حملة عدوانية غير مبررة على الدكتور سعد الدين الهلالي، الذي طرح رأيًا فقهيًا مستندًا إلى تدبره لآيات الميراث.
 
حرية الفكر وطرق المواجهة
ويكمل الشرفاء حديثه ويقول: “كان الدكتور الهلالي يؤدي فريضة إلهية، وهي التفكر والتدبر، ولم يكن يدعو لمنكر، بل اجتهد باحثًا في مقاصد النص القرآني، كما أمر الله، وكان من الأولى بمؤسسة الأزهر أن تدعوه للحوار والمناقشة وفق مبدأ الشورى الذي أمر الله به، لا أن يُجابه فكره بالهجوم والتكفير، والسؤال هنا: هل بات التفكر في القرآن يُعد جريمة؟ وهل أصبحت حرية الفكر التي دعا إليها الإسلام تُقابل بمحاكم تفتيش كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى؟ إن الله سبحانه خاطب الناس قائلًا: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) سورة ص الآية (29)، ودعا الله المؤمنين للاستجابة لما يحييهم، كما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) سورة الأنفال الآية (24)”.
 
اختزال الأركان
ويكمل الشرفاء الحمادي قائلًا: “لقد اختزل بعض الفقهاء الإسلام في الأركان الخمسة، وجعلوها المعيار الوحيد للإيمان، في حين أن الله بيّن في كتابه أن الإسلام منهج متكامل في العدل، والرحمة، والحكمة، والحرية، وأن الحساب يوم القيامة على هذا الأساس، قال الله تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) سورة الكهف الآية (29).
 
البلاغ والحساب
 ويواصل الشرفاء حديثه قائلًا إن الله سبحانه قد حدد مهمة الرسول بدقة، بقوله تعالى: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) سورة ق الآية (45)، وقال أيضًا: (إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) سورة الرعد الآية (40)، وفي نهاية المطاف، سيقرأ كل إنسان كتابه يوم القيامة بنفسه: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) سورة الإسراء الآية (14).
فلنتقِ الله جميعًا، ولنُعِد النظر في فهمنا لرسالة الإسلام، ولنترك للناس حقهم في التفكر والتدبر كما أمرهم الله، ولا نكن من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فلْيَسألْ كلُّ شيخ دين، وعالِم إسلامي، ومفكّر، وقاضٍ، ومسؤول مسلم – في أي موقع يعمل فيه – نفسه: هل يرى أن صفاته الشخصية، وسلوكياته، ومعاملاته، تتوافق مع بعض ما ورد في المنهاج الإلهي في القرآن الكريم؟ وهل تتجلى في تصرفاته وعلاقاته الاجتماعية وغيرها من التعاملات الدنيوية؟ فإن لم تتوفر فيه بعض هذه الصفات، فليُعد النظر في إيمانه، وليُحاسب نفسه، ويُعِدَّ عدّته ليوم الحساب يوم تسأله الملائكة، كما جاء في قوله تعالى: “ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين” سورة الزمر الآية (70).
 
أنساهم أنفسهم
ويقول الشرفاء الحمادي متسائلًا: “فمن تُرى يشفع لهم يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه؟ يوم يرى كل إنسان مشغولًا بنفسه! لذا أُطلقها نصيحة خالصة إلى الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، عودوا إلى ربكم الرحيم، الذي يناديكم بقوله: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم” سورة الانفال الآية (24).
 
خطاب التكليف
ويكمل الشرفاء حديثه قائلًا: “فمن لم يستجِب لدعوة الله ليحيا حياةً طيبة في الدنيا، ويُجزى يوم القيامة جنات النعيم، فقد خسر الدنيا والآخرة، وإلى كل هؤلاء الغافلين؛ ألم يحدد الله سبحانه صلاحيات الرسول – صلى الله عليه وسلم – في خطاب التكليف، حين قال: “وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب” سورة الرعد الآية (40)، فأصبحت مسؤولية الرسول صلى الله عليه وسلم، وفق خطاب التكليف الإلهي، محددة في إبلاغ رسالة الله إلى الناس، أما حسابهم في الدنيا والآخرة فهو اختصاص إلهي محض، يوم يبعثون. وقد وصف الله سبحانه ذلك اليوم بقوله: “وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا” سورة الإسراء الآيتان (13 – 14).
 
الصالحون والظالمون
ويختتم الشرفاء الحمادي حديثه قائلًا: “ففي ذلك اليوم يجد الإنسان سجلًا كاملًا لأعماله في الدنيا، لا يمكنه الإنكار أو التهرب، لأنه سجلٌ صادق يتضمن كل صغيرة وكبيرة فعلها، ويكون هو نفسه شاهدًا على ما اقترف، ومقرًّا به. عندها يصدر الحكم الإلهي: فإما أن يكون من الصالحين، فيدخل الجنة معهم، وإما أن يكون من الظالمين، فيكون مصيره نار الجحيم”.
اللهم إني بلغت.. اللهم فاشهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى