أطروحات تنويرية للشرفاء الحماديأهم الأخبار

الباحثون عن تجديد الخطاب ..مقال للكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي

جولة في فهم الدين

بعد مرور أربعة عشر قرنًا من الزمن، أدرك اليوم بعض القيادات الإسلامية ضرورة البحث عن الطريق المستقيم لرسالة الاستلام والسلام، بعد ما انتقلت عدوى التشويه المتعمد لرسالة الرحمة والعدل والحرية والسلام فى هذا العصر، وما انتشرت فيه الفتنة والتحريض على القتل وتكفير الناس واستباحت الأوطان وتشريد أهلها وتدمير مدنهم وقراهم، فبداء البحث عن بدائل للخطاب الديني لوقف سفك الدماء، وتحقيق الأمن للناس وحماية حقهم فى الوجود والحرية ومنع الاعتداء عليهم ووضع حد للأوصياء على دين الإسلام تحقيقا لحرية العقيدة وتأمين الاستقرار.

تلك الدعوة للتجديد دعا إليها سيادة الرئيس المصري منذ خمس سنوات دون ان تجد دعوته لها أي تجاوب من المؤسسات الدينية والسبب ان تعدد الخطاب الديني وتناقضاته مع بعض المرجعيات المذهبية، حيث تتمثل فيما يلي (الخطاب الوهابي/ الخطاب الشافعي/ والخطاب التكفيري/ والخطاب الحنفي/ والخطاب ألإخواني/ والخطاب المالكي / والخطاب الحنبلي/ والخطاب الأشعري / والخطاب الأباضي / والخطاب الشيعي)، وتعدده لدى عقائدهم وغيرها من المرجعيات التي لا تعترف يبعضها في رواياتهم وتشريعاتهم، وإمام تعدد الخطاب الديني يحتاج إلى معجزة إلهية لتجديد الخطاب الديني.

ومن اجل معالجة الإشكالية للمرجعيات الدينية المختلفة والمتناقضة والمتصارعة في الماضي والحاضر علينا البحث المتجرد والمخلص لمعرفة سبيل إنقاذ رسالة الإسلام مما شابها من تشويه واعتداء ظالم ساهم فيه كثير من المجتهدين السابقين الذين استقل كل منهم بمذهبه ومصادر تشريعه فتفرق المسلمون الى طوائف وجماعات تقاتل بعضها البعض على مدى أربعة عشر قرنًا سقط فى معاركهم مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء وهدمت المدن والقرى وساد الظلم والقهر والاستبداد والسؤال الملح كيف يتحقق حل تلك الإشكالية من اجل أتباع مرجعية واحدة تعتمد على خطاب واحد؟ لذلك فمن المستحيل توحيد المرجعيات المذكورة أعلاه فالسبيل الوحيد إذا كنا نبحث عن خطاب واحد تتوفر فيه كلما ينفع الناس ويحمى حقهم فى الحياة ويحقق لهم الأمان والاستقرار يدعو الناس للرحمة ويأمرهم بان يحكموا بالعدل ويحرم الاعتداء على الناس ويحرم قتل النفس إلا بالحق ويمنح الناس حرية الاختيار فى عقائدهم ويرسم خارطة الطريق لحياتهم يدعوهم للتمسك بالفضيلة والأخلاق الكريمة دون استعلاء على الناس، يأمرهم بنشر السلام والتعاون فيما بينهم يدعوهم لتعمير الأرض والاستفادة بالاكتشافات والعلم لاستغلال كنوز الأرض لمصلحة الإنسان ليتحقق له العيش الكريم يسعى لعبادة الله ويعمل لتأمين رزقه يحمي أسرته ويرعاها، الخطاب الذي ينظم العلاقات الاجتماعية على أساس من الرحمة والعدل يحقق المساواة بين الناس، الغني والفقير، القوي والضعيف، أمام العدالة سواء لا ميزة لإنسان على غيره  إلا العمل الصالح وما ينفع الناس الخطاب واحد  من اله واحد يبلغه رسول الله للناس ليدخلوا فى دين الإسلام ورسالة السلام، وضع سبحانه في كتابه الكريم السبيل لإتباع الطريق المستقيم فى قوله سبحانه  (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177)، ولذلك واختصاراً للجهد وتوفيراً للوقت واستعراضًا للقرون التي مرت على المسلمين في صراع وقتال تفرقوا إلى فرق وطوائف ومذاهب كل مذهب له خطاب خاص به يدافع عنه حتى الموت ويعتبره مرجعيته الوحيدة فى عبادته وعقيدته التي أنتجت أمثال داعش والقاعدة والإخوان يقتلون الأبرياء ويفسدون في الأرض ويحاربون الله ورسوله.

ولذلك كان الخطاب الإلهي فى دعوته للناس واضحا ومحذرا من إتباع غير كتابه الذي انزله على رسوله الكريم في قوله سبحانه (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2)، تكليف الرسول عليه السلام بتبليغ كتاب الله الكريم للناس جميعًا ويسيروا على هديه، ثم تأتي الآية الثانية أمر الله لهم باتباع كتاب الله وحده وعدم إتباع كتب وأقوال وأحاديث أخرى حيث يقول سبحانه (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3)، نهــــــــــي صريح للمسلمين بعــــــــدم إتباع كتب غير قـــــــــرآنــه حتى لا تتفرق بهم السبل، وذلك ما حدث حينما ابتعدوا عن كتاب الله فتفرقت بهم السبل وانتشرت بينهم الفتن وحل الخلاف بينهم بدلًا من الاتفاق والله يأمرهم بقوله سبحانه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103)، فعصوا أمر الله فأذاقهم التشتت والصراع والتناحر وقتل بعضهم البعض بالرغم من التحذير الإلهي بقوله سبحانه (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46)، وحين يخاطب الله رسوله بقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(المائدة: 67)، ليجيبه الرسول حيث يقول الله سبحانه (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30)، أليست هذه الآية إدانة للمسلمين من رسولهم الكريم بانهم هجروا القرآن واتبعوا ما رواه الشيطان فضلوا الطريق ونسو الله فأنساهم أنفسهم ليجيبه الله سبحانه بقوله  (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام: 159)، وهذه الآية تؤكد تفرق المسلمين الى شيعا وطوائف وفرق، لأنهم تركوا القرآن وهجروه. وتبرأ الرسول من التقصير فى تبليغ الناس بخطاب الله لهم فقد أدى الأمانة. ونصح الأمة وأكمل مهمته عليه السلام والله سبحانه أعطى حرية الاختيار للناس فى قوله سبحانه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى (123) وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرتَني أَعمى وَقَد كُنتُ بَصيرًا (125) قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى (126)) (طه: 123 – 126)، فليختار كل إنسان على مسؤوليته الطريق الذي سيحاسب على أساسه يوم القيامة يومها (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) (الشعراء: 88 – 89)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى